
قرار مجلس الوزراء الأسبوع الماضي اتفاقية التعاون بين وزارة الصحة العامة والجامعة اللبنانية لإنشاء المختبر المركزي ليس إنجازاً استثنائياً، غير أن عرقلة عودته على مدى عشرين عاماً، وتحفّظ بعض هواة التعطيل في الحكومة عليه، حوّل بنداً بديهياً إلى حدث يُحتفى به.
وعلى مدى السنوات الماضية، لم يكن تعطيل المختبر المركزي مجرّد تفصيل: قرار هدمه عام 2007 لدواعٍ أمنية، بسبب قربه من مبنى الرئاسة الثانية في عين التينة، كان بداية ظهور النوايا المبيّتة تجاه المختبر الذي شكّل ويشكّل خطراً على أصحاب المصالح الذين استفادوا من غيابه.
وظلت معركة إحياء المختبر خاسرة بسبب قوة اللوبي الذي يسيطر على قطاع الدواء، والذي أشار إليه وزير الصحة الأسبق كرم كرم بالأسماء، من «مستوردين وسياسيين وشركات وإدارة فاسدة لوزارة الصحة».
بعد كل تلك السنوات، عاد المختبر إلى الواجهة في ظل الفوضى في سوق الدواء وما صاحبها من فضائح خلال الأزمة المالية، وأبرزها أن «أكثر من 50% من الأدوية التي دخلت السوق في ذروة فوضى الدواء كانت مزورة أو مجتزأة الفاعلية أو مقلدة أو لا حاجة فعلية إليها»، بحسب رئيس «هيئة الصحة حق وكرامة»، إسماعيل سكرية.
وقد دفع ذلك بوزارة الصحة إلى إعداد خطة لإعادة إحياء المختبر، عبر تأمين مكان له وتجهيزه بشراكة إدارية وأكاديمية مع الجامعة اللبنانية. غير أن اتفاقية المشروع لم تمر في جلسة مجلس الوزراء بسلاسة، بعدما عارضها بعض الوزراء، بحجة إعطاء الأولوية لإنشاء الوكالة الوطنية للدواء. وهي معارضة غير مبرّرة ولا منطقية، بحسب وزير الصحة ركان ناصر الدين، مؤكداً أن المختبر سيسير بالتوازي مع الوكالة، ولا يمكن لأحدهما أن ينطلق من دون الآخر، وهو ما تنص عليه المادة الثالثة من القانون 253 لإنشاء الوكالة الوطنية للدواء، التي تؤكد أن «من المهمات التنظيمية للوكالة تفعيل الإجراءات المتعلقة بعمل المختبر المركزي وإدارته».
وتتمثل خصوصية هذا المختبر في دوره كهيئة ناظمة لمراقبة الدواء وصناعته وتنظيمه بطريقة علمية، وهو «مرجع حاسم يحدد ما إذا كان الدواء صالحاً وفعالاً»، بحسب ناصر الدين. وإلى ذلك، هناك أسباب كافية للسير بالاتفاقية، منها وجود التمويل، «فهناك حوالى مليوني دولار محجوزة من هبة البنك الدولي، ستضيع إذا لم يُستفد منها حتى نهاية العام، إضافة إلى ثلاثة ملايين دولار حُجزت ضمن موازنة 2026 للمختبر المركزي، ناهيك بأن المكان جاهز ضمن حرم الجامعة اللبنانية».
كل هذا يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت معارضة إحياء المختبر مرتبطة بالدفاع عن مصالح المختبرات الخاصة أم عن مصلحة لوبي الأدوية، أو لعدم تسجيل إنجاز لوزارة الصحة، أم لأن الطرف الشريك هو الجامعة اللبنانية الوطنية؟
وسيتم تأهيل مبنى المختبر المركزي في حرم الجامعة اللبنانية في منطقة الحدث، على أن يدار من الوزارة عبر الوكالة الوطنية للدواء، بالتعاون مع الجامعة اللبنانية وبالاستفادة من خبرات كوادرها وطلابها. وهي علاقة رابحة للطرفين، إذ توفر الجامعة مكان إقامة المختبر وكوادر أكاديمية متخصصة، في حين تستفيد بتأمين فرص عمل للطلاب والخبراء، وبتقاسم عوائد الأرباح (60% للوزارة و40% للجامعة).
وتكمن أهمية المختبر المركزي في توفير نظام رقابي دقيق لكل الأدوية التي تدخل إلى لبنان.
إذ لم يعد كافياً الحصول على شهادات مرجعية من دول المنشأ، بل أصبح لا بد لكل دواء من المرور بفحص المختبر. باختصار، بحسب ناصر الدين، «لا دواء من دون شهادة من المختبر المركزي». وأكثر من ذلك، «لا توجد شهادة للأبد، إذ سيتم إعادة فحص الأدوية بشكل دوري»، مع «إعادة تقييم كل الأدوية التي دخلت لبنان سابقاً».
هذا ما ينبغي أن يكون دور المختبر المركزي، لكن، ثمّة قلق لدى كثيرين من تمكن اللوبي إياه من فرملة هذا الإنجاز.